تجسّد تيِّمة الطبعة التاسعة من المهرجان الثقافي الدولي للفن التشكيلي المعاصر الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الفن المعاصر في مواجهة التحديات العالمية. ففي ظل المناخ الجيوسياسي السائد حاليا و المليء بالأزمات المتصاعدة، يكتسب هذا النهج صدى عميقاً على مستوى العالم أجمع.
فالفن ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل يمكن جعله جسراً يتخطّى الحدود ويوحّد الشعوب. ومن الأهمية بمكان أنّه يوفّر لنا جميعاً وسيلة للتواصل وفهم بعضنا البعض، رغم الإختلافات الثقافية والسياسية.
وقد تم إختيار "ما وراء الحدود" عنواناً وتيِّمة لهذه الطبعة من المهرجان لإنسجامه مع هذا النهج، فهو يختصر أهدافنا — الشخصية والمهنية — في كسر الحواجز التقليدية على إختلاف أشكالها. و يؤكد إختيار هذا العنوان أيضا قناعتنا بأن الفن، بما يحمله من قوة تعبيرية ورمزية عميقة، يمكن له أن يكون أداة فعّالة للدفع بالتغيير الإيجابي داخل المجتمعات.
إن عالم اليوم مثقل بالمشكلات، حروب و عنف ، كوارث إنسانية ، عنصرية وغيرها الكثير. وفي هكذا أوقات صعبة وملتبسة ، تصبح الحاجة إلى أدوات بديلة للتخفيف من آثار هذه الأحداث المثقلة وتعزيز فرص التغيير أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. و هنا يبرز الفن كعامل محفّز قوي، يوفّر وسيلة لتجاوز الإنقسامات وإستعادة التوازن. فقد بات تمكين الفنانين من أداء أدوارهم الثقافية والمساهمة في الجهود الأوسع لبناء مجتمعات أكثر وعياً وانفتاحاً أمراً لا غنى عنه.
غير أن تمكينهم من أداء هذا الدور يستلزم وجود سياسات ثقافية شاملة وداعمة. فرغم الإعتراف الدولي المتزايد بقدرة الفن على تجاوز الصراعات، ما تزال المبادرات الموجّهة لدعم الفنانين محدودة وغير كافية ، مما يقيّد قدرة الفنانين على الوصول إلى جمهور عالمي.
أما توسيع آفاق مبدعينا التشكيليين فيمكننا تحقيقه بالعزيمة والإصرار ، وتوفير فرص مستدامة لهم، مع تعزيز حضورهم على الساحة الثقافية العالمية. و يجب ألا ننسى أن الفن ليس مجرد تعبير جمالي؛ بل هو قوة ناعمة تُشكّل العقول وتصقلها و تدفعنا لإعادة التفكير في مواقفنا من قضايا أساسية كالعنصرية والتهميش.
لذلك، لا ينبغي أن يُنظر إلى الفن كترف ثقافي، بل علينا إعتباره أداة أساسية للتفكير والتحليل والمقاومة.
إن التنوع الثقافي يقف في صميم هذه الجهود، ويلعب دوراً محورياً في دعم الرسالة الفنية ودفع جهودنا المشتركة لبناء عالم أكثر عدلاً وشمولاً. ومن هذا المنطلق، يوجّه المهرجان الثقافي الدولي للفن التشكيلي المعاصر دعوة للفنانين و معارضهم الفنية المرموقة من مختلف أنحاء العالم للإلتقاء، بصفتنا فنّانين ومواطنين عالميين، في إطارِ تضامنٍ إبداعي.
ويؤكد المهرجان على أن الفن يجب أن يكون قوة موحِّدة، ملتزمة بمواجهة جميع أشكال العنصرية والتعصب والإقصاء. ومن هنا من الجزائر، نرسل دعوتنا إلى جميع المعارض و القاعات الفنية الدولية للإنضمام إلى هذا المسعى، وجعل الطبعة التاسعة من مهرجاننا الفني منصة للتعبير الجماعي عن القضايا الملحّة التي تواجه الإنسانية. فنحن ندعوكم كمبدعين للإنضمام إلى صوتنا كصوت فني عالمي واحد، متجذر في الإنسانية، ومتوجّه نحو مواجهة تحدياتنا المشتركة.
إن هذه الرؤية لا تعكس الإطار التنظيمي لمهرجاننا فحسب، بل تعبّر أيضاً عن طموح حقيقي لإحداث أثر ثقافي وإنساني ملموس من خلال الفن. حيث تتماشى جهودنا بشكل وثيق مع المساعي الرامية إلى توظيف الفن المعاصر كوسيط للربط والإلهام والتنوير وتوسيع آفاق الفهم بين الثقافات.
"فما وراء الحدود" ليست مجرد تيمة — بل هي دعوة للإنفتاح. إنها تجسيد لما يمكن للخيال أن يحققه، عبر توفير فضاء بعيد عن تأثير الجغرافيا أو الأيديولوجيا، حيث تلتقي العقول المتسائلة.
وفوق كل هذا ، يدافع المهرجان عن قناعة بأن الفن قادر على تجاوز الجدران المرئية وغير المرئية، وهو قادر على إعادة تشكيل العالم، وذلك بتشجيع حرية التفكير والعمل بشكل مختلف عما كان بروح من التعاطف والتقدير .
IFCA 2025
ما وراء الحدود
حمزة بونوة
محافظ المهرجان الثقافي الدولي للفن التشكيلي المعاصر